القائمة الرئيسية

الصفحات

الشريط الإخباري

النقابات المغربية في مواجهة قانون الإضراب الجديد: بين حماية الاقتصاد وحقوق العمال

النقابات المغربية في مواجهة قانون الإضراب الجديد: بين حماية الاقتصاد وحقوق العمال

مقدمة

في سياق اجتماعي مشحون، تعيش الساحة النقابية المغربية على وقع توتر متزايد بسبب مشروع قانون الإضراب الجديد، الذي أثار جدلًا واسعًا بين الحكومة والنقابات العمالية. بينما تؤكد الحكومة أن القانون يسعى إلى ضبط ممارسة الإضراب وحماية الاقتصاد الوطني، ترى النقابات أنه يهدف إلى تقويض أحد أهم الحقوق المكتسبة للطبقة الشغيلة. فهل يمثل هذا القانون خطوة ضرورية لتنظيم سوق العمل، أم أنه مجرد وسيلة للحد من الحركات الاحتجاجية وإضعاف النقابات؟

الإضراب في المغرب: حق مشروع أم معركة مفتوحة؟

لطالما كان الإضراب أحد أهم الوسائل النضالية التي تعتمدها النقابات للدفاع عن حقوق العمال وتحسين أوضاعهم المهنية والاجتماعية. وينص الدستور المغربي في فصله 29 على أن "حرية الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي، مضمونة. ويُحدد القانون شروط ممارسة هذا الحق." لكن المشكلة تكمن في أن القانون التنظيمي الذي يفترض أن يحدد كيفية ممارسة هذا الحق لم يُعتمد إلا بعد سنوات طويلة من النقاشات والمداولات.

ومع طرح الحكومة لمشروع قانون الإضراب الجديد، ارتفعت حدة الجدل بين من يرى فيه ضرورة لحماية الاقتصاد الوطني، ومن يعتبره خطوة لتقييد العمل النقابي، خاصة أنه يضع شروطًا صارمة لممارسة هذا الحق.

أبرز بنود قانون الإضراب الجديد

يتضمن مشروع القانون العديد من النقاط التي ترى فيها الحكومة وسيلة لتنظيم الممارسة السليمة للإضراب، بينما تعتبرها النقابات قيودًا غير مبررة، وأهمها:

1.      إلزامية التصريح المسبق بالإضراب: ينص القانون على أن أي إضراب يجب أن يكون موضوع إشعار رسمي يُقدَّم قبل مدة معينة، وهو ما تعتبره النقابات قيدًا يحد من حرية العمال في اتخاذ قرارات مستعجلة للدفاع عن حقوقهم.

2.      آليات ضبط شرعية الإضراب: يمنح القانون صلاحيات واسعة لأرباب العمل للطعن في شرعية الإضراب، وهو ما قد يؤدي إلى عرقلة العديد من الحركات الاحتجاجية.

3.      العقوبات المشددة ضد المخالفين: يتضمن القانون عقوبات قاسية تصل إلى الفصل من العمل أو المتابعات القانونية ضد الداعين إلى الإضراب غير المصرح به.

4.      ضمان الحد الأدنى من الخدمات: يشترط القانون توفير حد أدنى من الخدمات في القطاعات الحيوية، مثل الصحة والنقل والتعليم، أثناء فترات الإضراب، وهو ما ترى فيه الحكومة حمايةً لمصالح المواطنين، بينما تعتبره النقابات تفريغًا للإضراب من مضمونه.

ردود فعل النقابات: رفض وتصعيد

في مواجهة هذا القانون، أعلنت العديد من النقابات الكبرى، مثل الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عن رفضها القاطع لمضامينه، معتبرة أنه لا يخدم سوى مصلحة أرباب العمل ويضعف دور النقابات. وبلغ التصعيد ذروته مع دعوة هذه النقابات إلى تنظيم إضراب وطني شامل في 5 فبراير 2025، يشمل مختلف القطاعات العامة والخاصة.

وترى النقابات أن القانون يُفرض دون تشاور كافٍ، وأنه يضرب في العمق المكتسبات النقابية التي تحققت بعد عقود من النضال. ويؤكد ممثلو العمال أن تنظيم الإضراب يجب أن يتم وفق آليات ديمقراطية تضمن توازن المصالح بين العمال وأرباب العمل، بدلًا من فرض قيود تفرغه من مضمونه.

موقف الحكومة: حماية الاقتصاد أم تقييد الحريات؟

من جهتها، تدافع الحكومة عن القانون باعتباره ضرورة لضبط الممارسة العشوائية للإضرابات التي ألحقت، بحسبها، خسائر فادحة بالاقتصاد الوطني. وتشير إلى أن تكرار الإضرابات دون تنظيم أدى إلى تعطيل المرافق الحيوية وأضر بالمواطنين، خاصة في قطاعات مثل التعليم والصحة والنقل.

كما تؤكد الحكومة أن القانون لا يلغي الحق في الإضراب، بل ينظمه فقط لضمان توازن المصالح بين جميع الأطراف. وتدعو النقابات إلى الانخراط في حوار جاد لمناقشة تعديلات ممكنة تضمن حقوق العمال دون الإضرار بالاقتصاد.

التداعيات المحتملة على المشهد الاجتماعي والاقتصادي

في ظل هذا التوتر، يبدو أن تطبيق القانون قد يؤدي إلى عدة تداعيات، أبرزها:

  • زيادة الاحتقان الاجتماعي: في حال إصرار الحكومة على تمرير القانون دون تعديل، قد يتسبب ذلك في موجة احتجاجات واسعة تهدد الاستقرار الاجتماعي.
  • تأثير سلبي على العلاقة بين النقابات والحكومة: قد يؤدي رفض الحوار الجاد إلى تآكل الثقة بين الطرفين، مما يعقّد أي محاولات لإصلاح سوق العمل مستقبلًا.
  • تأثير اقتصادي مزدوج: بينما ترى الحكومة أن تنظيم الإضراب سيساهم في استقرار الاقتصاد، فإن النقابات تحذر من أن التضييق على العمل النقابي قد ينعكس سلبًا على مناخ الاستثمار، إذا شعر العمال بأن حقوقهم غير محمية.

آفاق الحل: البحث عن توافق وطني

لعل الحل الأمثل يكمن في تبني مقاربة تشاركية تضمن التوازن بين مصالح العمال وأرباب العمل والدولة. ويمكن تحقيق ذلك عبر:

  • فتح حوار جاد وشامل: يجب أن تتفاوض الحكومة مع النقابات بشكل فعلي، لا مجرد مشاورات شكلية، لضمان الوصول إلى صيغة توافقية.
  • مراجعة بعض البنود المثيرة للجدل: مثل تقليص القيود على التصريح المسبق بالإضراب، ومراجعة العقوبات المقترحة ضد المضربين.
  • ضمان استقلالية القضاء في البت في نزاعات الإضراب: بحيث لا يكون أرباب العمل هم الجهة الوحيدة المخولة بتحديد شرعية الإضراب.

خاتمة

يبقى قانون الإضراب الجديد نقطة مفصلية في تاريخ العمل النقابي بالمغرب. وبين رؤية الحكومة لتنظيم سوق العمل ورؤية النقابات لحماية حقوق العمال، يظل التحدي الأكبر هو إيجاد صيغة توافقية تحافظ على الاستقرار الاجتماعي دون المساس بالمكتسبات العمالية. فهل يكون المستقبل عنوانه الحوار البناء أم التصعيد المتواصل؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

 

 

reaction:

تعليقات